الزكاة والصدقات بين الإخفاء والإعلان

عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ. فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ. قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ» رواه البخاري. و«كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ وَمِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فـي إِنَائِهِ» رواه الإمام أحمد.

وقد تكون الصدقة خفية، سواء كانت عن المتصدق نفسه  أو بالنية عن ميت، فلا تعلم شمالُ المتصدق ما أنفقته يمينُه، ولعل هذا الإخفاء أطيب إلى نفس المتصدق، أو هكذا يجب أن يكون. لكن قد تأتي ظروف وأيام وسنون يكون إعلان الصدقة فيها خيراً من إخفائها، خاصةً إن لم تكن الغاية من الإعلان المباهاة، وهو ما يحبط الأجر؛ فالإعلان عنها، دون المباهاة، نعمة وقربى إلى الله سبحانه، وصدق الله القائل: ﭽﭢ  ﭣ   ﭤ  ﭥ  ﭦ ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮﭯ ﭰ   ﭱ  ﭲ  ﭳﭴ   ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸﭼ البقرة271.  وقال r :  «... وَبَادِرُوا بِالأعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فـي السِّرِّ وَالْعلانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا» سنن ابن ماجه.

 (العلانية هي إظهار الشّيء، وأعلنت الأمر أي أظهرته، ومنه قوله تعالى: ﭽﯶ  ﯷ  ﯸ   ﯹ  ﯺ ﭼ، أي سرّاً وعلانيةً.

والصدقة قد تكون فريضة كالزكاة وهي ملزمة لكل مسلم مَلَكَ النِّصاب، أو تكون عطاء غير ملزم يتصدق به تقرباً إلى الله.

فإن كانت فريضةً كالزّكاة، أو كان [المزكي] ممّن يُقتدى به أو يريد إظهار السّنّة وأمِنَ على نفسه الرّياء، كانت العلانية أفضل له من السّرّيّة، لما فـي ذلك من إبعاد التّهمة عن نفسه بالنّسبة للفرائض والواجبات، ولما فيه من سدّ خلّة الفقراء مع مصلحة الاقتداء، فيكون قد نفع الفقراء بصدقته وبتشجيعه  الأغنياء الآخرين على  الاقتداء به  فـي نفع الفقراء تطوعا؛ ولأنّ الفرائض لا يدخلها الرّياء.

وإنْ كانت الصدقة نافلةً  وخاف على نفسه الرّياء أو عُرف من عادته الرّياء، أو كان ممّن لا يُقتدى به، أو خاف من احتقار النّاس للمتصدّق عليه، كان إخفاؤها أفضل من علانيتها لقول الله تعالـى:  ﭽ ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ     ﭬ  ﭭ  ﭮﭯ  ﭰ   ﭱ  ﭲ  ﭳﭼ .

وفي تفسيره آية ﭽﭢ  ﭣ   ﭤﭼ   يقول الإمام الرازي: (إن إعطاء الصدقة، حال الإخفاء، خيرٌ من الخيرات، وطاعة من جملة الطاعات، فيكون المراد منه بيان كونه فـي نفسه [أي الإخفاء] خيراً وطاعة،فأما إذا حصل فـي الإبداء أمر آخر [كأن يترتب بسببه خير ما مثلا]() لم يبعد ترجيح الإبداء على الإخفاء... وأنّ الإظهار فـي إعطاء الزكاة الواجبة أفضل).  ويتابع الامام الرازي:

أما الآن، فلما حصلت التهمة [ بعدم أداء الزكاة عند كثير من المسلمين] كان الإظهار أولى بسبب حصول التهمة. ولذلك شرط فـي الإخفاء أن يحصل معه إيتاء الفقراء، والمقصود حث المتصدق على أن يتحرى موضع الصدقة، فيصير عالماً بالفقراء، فيميزهم عن غيرهم، فإذا تقدم منه هذا الاستظهار ثم أخفاها حصلت الفضيلة).

ونضيف على ما تقدم، كان  ذلك  فـي زمن لم تكن فيه مؤسسات تختص بفعل الخير وإحصاء المحتاجين والفقراء ومعرفة أحوالهم، وتنظيم مد يد العون لهم. فبإعطاء الزكاة أو الصدقات لمثل هذه المؤسسات، بهدف توزيعها على مستحقيها، يكون قد تحقق الأمران معاً: الإخفاء والإبداء لأن على المؤسسات ان تعلن عن زكوات الناس وعن حاجات الفقراء وتسعى الى ايصال ما تجمع عندها وتؤديها بأدب وتتبع الاساليب الحديثة في الاحصار والتوزيع كما ان المؤسسة الزكوية تتحمل عبء ومسؤولية الامانة وعلى هذا يجب ان تتحلى بالمصداقية والمراقبة الذاتية وان يدرك المزكي والمتصدق انه بات عليه ان يؤدي ان لم يكن كل زكاته وصدقاته فبعضها على الأقل بهدف تشجيع المؤسسات الزكوية على العمل الجماعي الذي اراده الله في فريضة الزكاة وخيرية الصدقة لانقاذ برنامج جماعي في القضاء على الفقر والحاجة وسائر فروع الجهات التي تدفع فيها الزكاة

Last modified on الخميس, 03 أيلول/سبتمبر 2020 07:34